لم يعد إجراء عمليات القلب المفتوح في محافظة الحديدة حلماً بعيد المنال، فقد تحوّل اليوم إلى واقع ملموس مع تدشين هيئة مستشفى الثورة العام هذه الخدمة الطبية النوعية لأول مرة في تاريخها.
خطوة جديدة تضاف إلى سلسلة الإنجازات التي حققها المستشفى خلال الأعوام الماضية، لتعكس حجم التطور المتسارع في بنيته الطبية، وتضع المرضى أمام أفق أوسع من فرص العلاج دون الحاجة إلى مشقة السفر إلى صنعاء أو خارج البلاد.
في العام الماضي، كانت هيئة المستشفى قد افتتحت وحدة القسطرة القلبية التشخيصية والعلاجية، وهو ما شكل نقلة بارزة في مجال خدمات القلب، لتكون تلك الخطوة بمثابة الأرضية التي مهّدت الطريق اليوم لتدشين عمليات جراحة القلب المفتوح كإضافة نوعية جديدة تعزز من قدرات المستشفى وتوسع نطاق خدماته التخصصية.
ومع تدشين عمليات القلب المفتوح، يصبح مستشفى الثورة العام بالحديدة اليوم واحداً من المراكز الطبية القليلة في البلاد التي تقدم خدمات متكاملة في مجال أمراض وجراحة القلب، الأمر الذي يمنح المحافظة موقعاً متقدماً في خارطة الخدمات الصحية المتخصصة، ويقلل من اعتماد المرضى على المراكز الطبية خارج المحافظة.
بعد سنوات من المعاناة والحرمان، جاء تدشين عمليات القلب المفتوح في هيئة مستشفى الثورة ليشكل بارقة أمل جديدة لآلاف المرضى، فقد أنهى هذا الإنجاز معاناة طويلة تمثلت في مشقة الانتقال إلى محافظات أخرى أو السفر خارج الوطن بحثا عن العلاج، وأتاح لهم فرصة تلقي الرعاية الطبية المتخصصة بالقرب من أماكن سكنهم.
هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة جهود حثيثة ومتراكمة هدفت إلى تطوير قدرات المستشفى وتجهيزه وفق أعلى المعايير، إلى جانب تزويده بأحدث الأجهزة التي تواكب التطورات العالمية في جراحة القلب، وبفضل ذلك، أصبحت هذه الخدمة إضافة نوعية ستُسهم في إنقاذ حياة آلاف المرضى سنوياً، وتمنحهم ثقة أكبر بإمكانات القطاع الطبي الوطني.
وإلى جانب أهميته الطبية المباشرة في الحد من معاناة المرضى وتخفيف الضغط على المستشفيات المركزية في العاصمة، يمثل هذا الإنجاز خطوة مهمة نحو تطوير البنية الصحية بالحديدة، فهو يعكس رؤية أوسع تهدف إلى تعزيز جاهزية هيئة مستشفى الثورة وقدرتها على التعامل مع هذا النوع من الجراحات وفتح آفاق أوسع في تقديم خدمات تخصصية متكاملة في مختلف المجالات خلال المرحلة المقبلة.
وما يميز هذه الخدمة أيضاً أنها تُقدّم مجاناً لكل المرضى، في خطوة إنسانية تُجسد رسالة المستشفى في خدمة المجتمع وتخفيف معاناة الفقراء والشرائح المستضعفة، إذ يُعد توفير عمليات القلب المفتوح دون مقابل بادرة غير مسبوقة على مستوى البلاد، تسهم في إنقاذ حياة المرضى الذين حالت ظروفهم المادية دون حصولهم على مثل هذا النوع من الرعاية الطبية المتقدمة.
هيئة مستشفى الثورة التي تستقبل يومياً أكثر من ألفي حالة مرضية، استطاعت من رحم المعاناة والتحديات أن تحقق نجاحاً استثنائياً، خصوصاً في ظل سنوات العدوان والحصار، حيث تمكنت رغم قلة الإمكانيات والظروف الصعبة من الحفاظ على استمرارية خدماتها وتطوير بنيتها، لتتوج اليوم رسالتها الإنسانية بتدشين عمليات القلب المفتوح كإنجاز طبي غير مسبوق يضاف إلى سجل عطائها.
وبمناسبة تدشين أولى عمليات القلب المفتوح، أوضح رئيس الهيئة الدكتور خالد سهيل أن هذا الإنجاز يمثل ثمرة صبر وعزيمة وإصرار، ويعكس رسالة حياة جديدة تنبض في قلب تهامة، وهو تتويج لمسار طويل من العمل المتواصل لبناء صرح طبي يليق بآمال الناس وتطلعاتهم.
وقال: “إن تدشين هذه الخدمة الطبية النوعية يشكل خطوة فارقة ذات بعد إنساني ووطني لصالح قطاع الصحة في الحديدة، ويعكس قدرة الكوادر الطبية الوطنية على مواكبة التطور وتقديم الأمل لآلاف المرضى نحو حياة صحية أفضل، لتبقى الحديدة منارة عطاء طبي تزرع الطمأنينة في قلوب أبنائها.”
وأفاد رئيس الهيئة بأن اليوم الأول من التدشين شمل إجراء عمليات لعدد من المرضى الذين خضعوا لبرنامج تحضيري دقيق، مبينا أن الهيئة وضعت خطة لاستقبال حالات من مختلف مديريات المحافظة وفق آلية طبية منظمة تضمن استمرارية الخدمة واستيعاب أكبر عدد من المرضى.
وأكد أن هذا الإنجاز لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة جهود متواصلة على مدى أشهر من الإعداد والتجهيز واستكمال متطلبات تشغيل غرفة عمليات القلب المفتوح بأعلى المعايير الطبية، بما يضمن تقديم خدمة نوعية تواكب التطور العالمي في هذا المجال.
وذكر أن الفريق الطبي المتخصص يواصل اجراء عمليات القلب المفتوح منذ التدشين، وهو ما يمثل بداية مرحلة جديدة في سجل إنجازات المستشفى، ويعكس الجاهزية العالية للكوادر الوطنية التي أثبتت قدرتها على التعامل مع مثل هذه العمليات الدقيقة والمعقدة.
وأشار إلى أن تدشين عمليات جراحة القلب المفتوح يشكل نقلة استراتيجية نحو الاكتفاء الطبي الذاتي، كونه يخفف الأعباء الصحية والمالية عن المرضى الذين كانوا يضطرون للانتقال إلى صنعاء أو خارج البلاد لإجراء هذه العمليات، مؤكداً أن تقديم هذه الخدمة مجاناً يجسد رسالة إنسانية أصيلة في خدمة أبناء المجتمع.