إذاعة كل اليمنيين

تصعيدٌ صهيوني متواصل وموقف حزب الله يرفض المساومة على سلاح المقاومة

تتجّه الأنظار اليوم الخميس، إلى الجنوب اللبناني، حيث يواصل العدوّ الإسرائيلي عدوانه السافر بشكّلٍ يومي، مستبيحًا السيادة، مستهدفًا الأرض والبنية التحتية، ومتحديًا بذلك إعلان وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر 2024م، والذي يمثل جزءًا من تنفيذ القرار الدولي “1701”.

 

 

تصعيدٌ صهيوني قد يأخذ أشكالاً متعدّدة، إلا أنّه يأتي مضبوطًا لا يستدعي ردودًا من لبنان ويفتح حربًا واسعة في توقيتٍ لا يُريده العدوّ حاليًا؛ بل يتجلى في إنذاراتٍ عاجلة لسكان بلدتي “الطيبة وطير دبا” لقصف مبانٍ يزعم الاحتلال أنّها تستخدم من قبل المقاومة، ويأتي في سياق الضغط على لبنان؛ ما يؤكّد أنّ الكيان الصهيوني يُمعن في انتهاك السيادة دون رادع.

 

بالتوازي مع هذا العدوان الميداني؛ تبرز على الساحة السياسية دعوات إقليمية ودولية ملتبسة تدعو إلى التفاوض المباشر مع العدوّ وحصر سلاح المقاومة الإسلامية كـ “خيارٍ وحيد” لإنقاذ لبنان من تبعات العدوان، وهو ما يضعه حزب الله في خانة “الخطيئة الوطنية” وخدمةً لأهداف العدوّ.

 

وفي خضمّ هذه الضغوط، وجّه حزب الله كتابًا مفتوحًا إلى الرئاسات اللبنانية الثلاث وإلى الشعب، حسم فيه موقفه الرافض بشكّلٍ قاطع لأيّة محاولةٍ لجرّ لبنان إلى جولات تفاوضية جديدة “تخدم العدوّ الغادر والمدعوم من الطاغوت الأمريكي ولا ينتج عنها سوى مزيدٍ من التنازلات”.

 

وأكّد حزب الله تمسكّهُ بمبدأ السيادة الوطنية ورفض التفاوض مع العدوّ، مشدّدًا على أنّ الهدف من الدعوات للتفاوض ونزع سلاح المقاومة هو إضعاف لبنان وفرض الإذعان عليه سياسيًّا وأمنيًّا، واصفًا أيّ قرار متسرع حول “حصرية السلاح” في هذا التوقيت بأنّه “خطيئة وطنية” تمنح العدوّ فرصة مجانية لاستغلال الموقف وطرح مسألة نزع سلاح المقاومة مجدّدًا.

 

ولفت إلى أنَّ سلاح المقاومة الذي حمى لبنان ليس موضوعًا للمساومة أو التفاوض، وإنّما يُناقش فقط في إطار وطني جامع ضمن استراتيجية شاملة للدفاع عن البلاد، مطالبًا بأنّ يتركّز الموقف الوطني على “تنفيذ إعلان وقف إطلاق النار بحذافيره والضغط على العدوّ للالتزام به والانسحاب إلى ما وراء الخط الأزرق”، مشيرًا إلى أنّ “الكيان الصهيوني، وكعادته، واصل خروقاته برًا وبحرًا وجوًّا، متحدّيًا كل الدعوات إلى وقف اعتداءاته”، وبدلاً من الانجرار وراء “طروحات تفاوضية جديدة تمهّد للتطبيع أو المسّ بحق لبنان في مقاومة الاحتلال”.

 

واختتم حزب الله، بالتأكّيد على أنّ الدفاع عن لبنان هو “حقٌّ مشروع وواجب وطني” ما دام الاحتلال والعدوان مستمرين، مجدّدًا العهد بالصمود إلى جانب الجيش والشعب، قائلاً: “عهدنا لشعبنا الأبي أنّ نبقى في موقع العزة والحق، لا نميل ولا نتراجع، ما دام في أرضنا احتلالٌ وعدوان، وفي صدورنا نبض مقاوم لا يعرف الانكسار”.

 

وفي الأثناء، يستمر العدوّ الإسرائيلي في سياسة الضغط العسكري على لبنان وحزب الله، بعد كتاب الحزب للرؤساء الثلاثة، مستغلاً ذرائع ترميم البنية التحتية للمقاومة لشن غاراته؛ إذ أصدر جيش العدوّ الصهيوني، اليوم الخميس، إنذارًا باستهداف مبنيين في بلدتي “الطيبة وطير دبا” جنوبي لبنان، وهو ما يأتي في سياق موجة اعتداءات تستهدف ما يزعم العدوّ أنّها “وحدة البناء” التابعة لحزب الله.

 

ونفّذ طيران العدوان الإسرائيلي قبل مغيب شمس اليوم، عدّة غارات عدوانية استهدفت المنطقة الواقعة بين بلدتي “طورا والعباسية” جنوبي لبنان، في خرقٍ كبير لاتفاق وقف إطلاق النار، سُمّع دويّها في مختلف مناطق الجنوب؛ ما أسفر عن شهيد و8 جرحى، كحصيلةٍ أولية، مؤكّدةً أنّ سيارات الإسعاف هرعت إلى المكان لإنقاذ المصابين.

 

وأغار الطيران المعادي على “طير دبا والطيبة وعيتا الجبل، وزوطر الشرقية” بعد أنّ أصدر جيش الاحتلال الصهيوني تهديدات لمبان سكنية، وصباحًا ألقت مسيّرة معادية قنبلة على شاطئ “رأس الناقورة”، كما حلق الطيران المسيّر في أجواء قرى البقاع الغربي واجواء العاصمة بيروت.

 

وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة التابع لوزارة الصحة العامة بيان أعلن أنّ “غارات العدوّ الإسرائيلي على بلدة “طورا” قضاء “صور” أدت في حصيلة أولية إلى استشهاد مواطن وإصابة 8 آخرين بجروح متفاوتة”، كما ألقت طائرات العدوّ منشورات تحريضية فوق “عيتا الشعب”.

 

في المقابل، كشفت وسائل إعلام عبرية، أبرزها القناة الـ 12 الصهيونية، عن استعدادات للعدوّ الإسرائيلي لاحتمال شن جولات إضافية من القتال لـ “الضغط على حزب الله” و “الإضرار بقدراته العسكرية”؛ مما يؤشر إلى استمرار التصعيد المتعمد من طرف واحد.

 

وتؤكّد المعطيات أنّ الدعوات الحالية لـ التفاوض ونزع سلاح المقاومة ليست سوى محاولة صهيونية-أمريكية للوصول إلى هدفهم الأمني والسياسي مجانًا، بعد أنّ فشلت آلتهم العسكرية في تحقيق ذلك ميدانيًا؛ إذ يحاول العدوّ تثبيت سرديته حول إعادة حزب الله بناء قدراته، وأنه يُنشئ بعضها داخل قرى سكنية، منها جنوب نهر الليطاني، لذا ركز إنذاراته هناك.

 

ومن المتوقع أنّ العدوّ الإسرائيلي قد يُصعد من تكثيف الإنذارات، وبشكّلٍ متتابع، لخلق حالةٍ من عدم الاستقرار جنوبًا وربما في مناطق أخرى، غير أنَّها تأتي بعد سلسلة مواقف صهيونية تتوعد لبنان إنّ لم ينفذ قرار “حصر السلاح” المتخذ حكوميًا، وكذلك للضغط على الدولة لتقديم تنازلات جوهرية وكبيرة تتعلق بالتفاوض المباشر والقبول بواقع أمني جنوبًا، ويريده “تحت النار”، ويصب لمصلحته بشكّلٍ كلي.

 

ويرى مراقبون أنّ الانخراط في مفاوضات مع عدوّ مستمر في عدوانه واغتيالاته هو تكرار للخطأ الذي وقع فيه لبنان إبان مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، حيث لا يزال يُمنع على لبنان استخراج ثرواته النفطية رغم الاتفاق، والتفاوض في ظل هذا الضغط هو بمثابة “هدية مجانية للعدوّ” لن تعود على لبنان بنتائج مضمونة.

 

كما أنَّ الموقف الوطني السليم هو الموقف الذي يطالب بتطبيق كامل لـ شروط لبنان الأساسية قبل أيّ حديث عن تفاوض، وهي: “الوقف الفوري والشامل لكل أشكال الاعتداءات الإسرائيلية (برًا، بحرًا، وجوًا)، والانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال”.

 

ويمكن القول إنّ سلاح المقاومة لم يكن يومًا عامل إعاقة للاقتصاد أو الإعمار؛ بل هو الضمانة الوحيدة المتبقية لسيادة لبنان في وجه عدوّ لا يلتزم بأيّ قرار دولي، كما أظهر استمراره بالانتهاكات وتحديه للقرار “1701”، والتخلي عن هذا السلاح أو التفاوض عليه تحت الضغط سيعني انبطاحًا وإذعانًا سيجعل من لبنان ساحة مفتوحة للاعتداءات الإسرائيلية دون أيّ رادع.

 

بالمحصلة؛ فالموقف اللبناني الموحد في وجه الابتزاز والعدوان الصهيوني المدعوم أمريكيًّا، والذي تتبناه المقاومة؛ هو الطريق الأكيد لتحقيق العزة والكرامة الوطنية، وإلزام العدوّ بوقف عدوانه ورفع يده عن استباحة أرض وسيادة لبنان ودماء أبناءها، لا التفاوض على ثمن هذا التخلي.

قد يعجبك ايضا