المنتج المحلي يختنق من ينقذه من سطوة المستورد
بقلم: ✍️ عيسى السياني
في زاوية معتمة من أحد الأسواق الشعبية، يجلس رجل مسن فوق أكياسٍ من الجنابي التي صنعها بيديه ينظر إليها وكأنه يودّعها، بعد أن غزت الجنابي المستوردة أرخص من ثمن الجلد نفسه
وفي زاوية أخرى من البلاد، تغلق خياطة باب ورشتها الصغيرة التي كانت تكسو أسرًا كاملة، بعدما لم يعد أحد يقبل بمنتجها أمام سيول الملابس المستوردة بـ الطُّن
هذه ليست مشاهد عابرة، بل قصص حقيقية تتكرر كل يوم في كل مدينة يمنية، بسبب كارثة واحدة الاستيراد العشوائي غير المنظم.
اقتصاد يتآكل من الداخل
لقد أصبح واضحًا أن الاقتصاد الوطني يعاني ليس فقط من الحصار أو الحرب، بل من انفلات بوابات الاستيراد أمام كل تاجر يبحث عن الربح السريع، دون أدنى وعي أو مسؤولية وطنية
تُستورد السلع التافهة، وتُغرق الأسواق بالبضائع الرخيصة، والنتيجة: مزارع يغلق مزرعته، حرفي يهجر صنعته، مشروع صغير يُطفأ قبل أن يولد، وآلاف العمال يُدفعون إلى البطالة والفقر
من يقتل المشاريع الصغيرة
في كل دول العالم، تُعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للاقتصاد، لأنها الأكثر توظيفًا، والأكثر مرونة، والأكثر ارتباطًا بالبيئة المحلية
لكن في اليمن، يُخنق هذا القطاع بمنافسة غير عادلة، حيث يدخل المستورد المدعوم أحيانًا من الخارج أو المتهرب من الجمارك إلى السوق ويكتسح، بينما يُترك المنتج المحلي لمصيره
من يحمي الورش الصغيرة التي تصنع المقاطع والجنابي والمفروشات
من يحمي مزارعي البُن والفاكهة من إغراق السوق بمحاصيل من خلف الحدود
من يحمي الحرفيين من تسونامي الاستيراد
ما يحدث اليوم جريمة اقتصادية
نعم، إنها جريمة اقتصادية مكتملة الأركان
أن يُترك السوق فوضى، وأن تفتح الموانئ والحدود للاستيراد دون تنظيم، وأن يُعامل المنتج المحلي وكأنه العدو… هذا ليس فقط إهمالًا، بل تواطؤًا ضد الاقتصاد الوطني وضد ملايين الأسر التي تعيش على المشاريع البسيطة
الحل ليس بالمقاطعة فقط
المقاطعة الاقتصادية سلاح مهم لكن وحدها لا تكفي.
نحتاج إلى مشروع وطني لتوطين الإنتاج، يحمي الورش والمزارع، يمنح الأفضلية للمنتج اليمني، ويعاقب المستورد الرديء، ويمنع التهريب، ويوجه البنوك والدعم إلى المشاريع المنتجة لا المستوردة
نحتاج إلى إرادة سياسية في صنعاء وعدن تقول
لن نترك الخياطين، والصناع، والمزارعين، والمنتجين الصغار، يموتون بصمت نحتاج إلى قوانين عادلة، وإعلام وطني يسلّط الضوء على هؤلاء، ويدافع عنهم، ويجعل من قصصهم قضية رأي عام
إلى أين نريد أن نذهب
هل نريد اقتصادًا وطنيًا صلبًا، ينبع من الأرض ويُشغّل الناس
أم نريد بلدًا يعتمد على ما يُستورد، ويترك عشرات القطاعات تموت، ويفقد الملايين مصدر رزقهم……
الحل ليس معقدًا، لكنه يحتاج إلى موقف
لن ننهض إلا إذا أعدنا الاعتبار لكل يد تصنع، وكل مزارع يحرث، وكل مشروع صغير يناضل بصمت في وجه طوفان الجشع